أخي الحبيب قبل البدء ، أكتب لكَ موقفاً يظهر لك كم
هي القلوب المتعطشة للتوبة ، كم هي الأنفس التواقة للإنابة والرجوع الى
الله ، نعم تدرك من خلاله كم هم الذين ينتظروا منك خطوة باتجاههم لتهمس في
آذانهم بصوت هادئ مطمئِن للنفس ... لتبصر بأم عينيك الدموع المنهمرة من
العيون المشتاقة للبكاء من خشية الله ... لتدرك كم أنا – وأنتَ - مقصرين في
جنب الله !!
( قال : شعرنا بالفرح والسرور ونحن نسمع ذلك الرجل الفلبيني ينطق
الشهادتين ويعلن اسلامه متخليّاً عن دينه الباطل ، وعقيدته المحرفة ...
ولكن فرحتنا به لم تتم !! إذ بدلاً من اظهار السرور والبهجة بدخول الدين
الحق ، رايناه تتغير ملامح وجهه من الفرح الى الحزن والأسى ، ثم ما لبثنا
قليلاً حتى رأينا الدموع تنهمر من عينيّه ... تركناه فترة من الزمن يعبر
فيها عما جاش في نفسه ، وبعضنا ينظر الى بعض متعجباً مما يرى ، فلمّا خفت
حدّة الحزن ، طلبنا من المترجم بلهفة أن يسأله عن سبب هذا البكاء المفاجئ
.. أتدري ماذا قال ؟! لقد تحدث بحرقة قائلاً : إنني أحمد الله كثيراً أن
مَنّ عليّ بنعمة الدخول بالإسلام وأنقذني من النار ، ولم يمتني على الكفر .
ولكني أتساءل الآن عن حال أبي وأمي اللذين ماتا على الكفر ، ألستم مسؤولين
عن هدايتهم ؟! أين أنتم من دعوتهم ودعوة غيرهم من الناس الضالين الى
الإسلام ؟! أين أداؤكم لواجبكم نحو هذا الدين الحق ونشره للمتعطشين إليه
أكثر من تعطشهم الى الطعام والشراب !!
أين ... أين ؟! أخذت الجميع قشعرية ، وغطتهم سحابة من الصمت والحزن وهم
يسمعون هذه الحقائق ... ) وكأني حينها ولسان حالي وحالُكَ يقول : أين
المتقاعصين والمقصرين عن أداء واجبهم نحو هذه الدعوة حتى يسمعوا مثل هذا
الكلام ؟! اين هم ليدركوا عظمة الرسالة وثقل الأمانة المنوط بكل واحد منهم
؟!
أخي الحبيب ، اعلم – حفظك الله - اننا في دار ابتلاء ، وأن أعمالنا
ستوزن يوم العرض على الله ، أمام الأشهاد والخلائق !! فمن يعمل مثقال ذرة
خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره . لذا كان أجدر بي وبك أن نكثر من
الأعمال الصالحات وتقديم القربات والطاعات . ومهما بحثت وجاهدت لن تجد
شيئاً في أعمالك أثقل في الميزان يوم القيامة مما دلّ عليه رسولنا الكريم
صلى الله عليه وسلم من حديث أبي الدرداء – رضي الله عنه – حيث قال ( ما من
شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق ، وإن الله يبغض الفاحش
البذيء ) . فالخلق الحسن ، عنوان الصدق والطهارة والعفة ، وهو رمز للإخلاص
في العبودية لله تعالى جل وعلا ، لأن المؤمن الصادق مع الله في سره لا
يمكن إلا أن يكون صالحاً مع الناس .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه (
إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً ) فحاجة المرء الى الخلق الحسن أكبر من حاجته
الى الملبس والمشرب والمأكل . فهي تصونه وتشرفه وتلبسه حلية العز والكرامة ،
وشرف القبول والاحترام ، وثواب الله يوم القيامة ، لذلك فهي شاقة المنال ،
صعبة الاكتمال ، لا يحصلها إلا من جاهد النفس والهوى ، واقتفى سبيل الهدى
وسلك طريق التقى ، ونهج السلف الصالح .