الانطباع العام أن أهل ألبانيا أهل حضارة و قد لمست فى شبابها و أطفالها ذكاء حادا و استعدادا فطريا للدين. و إن صبر بعضهم على البطش و التنكيل مقابل تمسكهم باسلامهم صنع قصصا أقرب للأساطير و حكايات ألف ليلة غير أنها قصص وقعت و سطرتها آلام و جراح مسلمى ألبانيا. بعضهم ذاق التعذيب فى السجون لأكثر من عشرين سنة مثل الشيخ المجاهد صبري كوتشي مفتى ألبانيا السابق و الذى أودع السجن فى عنفوان عطائه و كان فى الخامسة و الأربعين من عمره بعد صدامه مع السلطات الشيوعية الجائرة و خرج من السجن فى عام 1989 شيخا مجهدا منهكا فى الخامسة و الستين من عمره ، و لم يمنعه ذلك من أن ينهض مرة أخرى و يقود حركة اصلاح واسعة رافقت سقوط الشيوعية.
التقيت بأحد الوزراء فى أول حكومة بعد الشيوعية – حكومة الدكتور صالح بريشه – و حكى لى ذلك الوزير أنه ظل سنوات طويلة يصلى سرا و يغلق على نفسه باب غرفته أو مكتبه بالمفتاح أثناء الصلاة و أنه أخفى ذلك حتى عن ابنته الوحيدة ، و لما لاحظ صدمتى أخبرنى أنه كان يخشى أن تبلغ ابنته عنه السلطات.
إن الأوضاع الحالية تنذر بمخاطر كبيرة بأن تتآكل ألبانيا و تذوب هويتها الاسلامية الضعيفة أصلا ، و قد سبق بالفعل فى التاريخ القريب بعد استقلال ألبانيا عن الحكم العثمانى التركى فى عام 1912 أن قامت دول الغرب فى مؤتمر السفراء بلندن عام 1913 بتقسيم معظم أراضيها لحساب الدول المجاورة فأعطت إقليم تشاميرية الألباني الجنوبي لليونان، وإقليم كوسوفا الألباني الشمالي لصربيا، و أجزاء من الحدود الشرقية لمقدونيا، وجزءا آخر من الأراضي الألبانية الشمالية الغربية للجبل الأسود ، مما أخرج أكثر من نصف الشعب الألباني خارج حدود دولة ألبانيا الأم.
إن الظروف الدولية الآن ربما لا تسمح بهذا التدخل السافر المعلن و لكن المخططات الجارية قد تؤدى لنفس النتيجة. إن الشعوب المسلمة دائما متيقظة للأخطار الخارجية ، لكنها أقل حذرا و وعيا إذا جاءت التهديدات من داخلها و عبر مواطنيها الذين رضعوا التغريب فى حياتهم. و قد عانت ألبانيا قبل ذلك من هجمة شرسة ضد الاسلام قادها ملكهم أحمد زوجو الذي تولى حكم ألبانيا في عام 1928م و قاد حملة شعواء لتغريب المجتمع الألباني المسلم، ومحاولة فصله عن ثقافته وتراثه الإسلامي عن طريق كوادره التي كان بيدها مقاليد الأمور في البلاد، وواصلوا أنشطتهم الثقافية والتعليمية للابتعاد عن الشرق والاقتداء بالغرب. و قام ذلك الرجل – تعاونه زوجته المجرية الكاثوليكية - في عام 1937 بإصدار أول قانون يمنع الحجاب في ألبانيا وكان هو أول من قام بتنفيذ ذلك القانون على نفسه عن طريق أخته التي خلعت الحجاب، و انطلقت تطلب من النساء الاقتداء بها. كما تم فرض غرامة مالية على كل النساء غير الملتزمات بهذا القانون مع إعطاء الشرطة الألبانية الحق في نزعه بالقوة في الشارع.
لهذا ، فإن العناية بالمسلمين الألبان أنفسهم ضرورة قصوى و هى أفضل سبيل لصد هذه الفتن العمياء التى تعصف بتلك البلاد. هناك العديد من المنظمات و الجمعيات الاسلامية التى لها جهود محمودة فى العناية بمسلمى ألبانيا ، لكن هذه الجهود وحدها لا تفى بالمطلوب خاصة بعد أن تقلصت و ألغيت تراخيص بعضها بعد أحداث 11 سبتمبر.
هل نستطيع نحن – أنت و أنا - أن نفعل شيئا لمساندة إخوة لنا فى الاسلام ؟؟
نعم ... يمكننا إن شاء الله و خاصة فى الجوانب التى نعرفها و نجيدها.
1. يمكننا أن ينتشر بعضنا فى مواقع المنتديات الألبانية التى تتعامل باللغة الانجليزية و نتعارف عليهم و ندعوهم إلى الله و نعرفهم ببساطة بمبادئ ديننا الحنيف.
2. يمكننا أن ننشئ موقعا مخصصا لهذا الهدف ، منتدى مثلا باسم (مسلمين البانيا) أو غيره و نشرف عليه و يعتنى بالتعليم و الدعوة و بناء جسور بيننا و بينهم من الصداقة و المودة التى هى مفاتيح القلوب. و فى مصر عشرات من الطلاب الألبان فى الأزهر يمكننا الاتصال بهم و ترغيبهم فى هذه الجهود.
3. يمكننا أن نتابع أخبارهم و نتفاعل معها و نكتب عنها و نساهم فى زيادة الوعى بها و نتعاطف و ندعو لهم فى سجودنا و فى أوقات السحر و فى كل مناسبات و أوقات الاجابة.
هذه أفكار عملية ، و ربما عند بعضنا أفكار أخرى أنفع و أجدى ، المهم أن نكون عمليين و إيجابيين ، و أرجو من كل من يهتم بهذا الأمر أن يعرض هنا ما يمكنه عمله و نتشاور فيه و الله تبارك و تعالى سيهدينا إلى أرشد أمورنا إذا اطلع على الاخلاص فى قلوبنا.
( إنما المؤمنون إخوة ).
( مثل المؤمنين فى توادهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى ).
( المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه و لا يسلمه ... ).